مصباح المهدي ॥ لغة للأغنياء ولغة للفقراء

أنا معجب بهذا الشاعر، شاعر مغمور بقيمة شاعر مشهور وأكثر ، هو عندي أعلي مقاما من كثيرين يملئون الصحف ويعاملون بترحيب في المنتديات شبه الأدبية يتبادلون النفاق والفجاجة।

أنا معجب بهذا الشاعر رؤية ولغة وحياة خاصة تتجسد في قصائده التي تعج بكل ما أثخنه من جراح التجارب ، وتعاقبات الأيام وعقاباتها।

أحب روحه المرتجفة مما يحدث له ، فهو لا يتلصص علي عنف الواقع من خلف لوح زجاجي وإنما يحتسي مراراته حتى الثمالة।

رؤيته ليست له يد في تشكيلها ، وإنما شكلها الواقع به مزجهما مزجا عبقريا فهو ليس مضطرا إلي القص عن واقع الفقراء وإنما يكفي أن يحكي عن يومه عما يراه رأي العين ويعايشه بالجسد والروح।

إذا ولأنه إنسان مصري بسيط ، البساطه هنا كلمة مبتذلة وعاطلة بكل ما تعنيه البساطة في تمددها من أطراف العوز المرير إلي معاناة جسدية وفكرية تعتصره اعتصارا دون افتعال رقة تهبه قدرة علي تحويل حياته إلي حسبة بسيطة تخترق عمق الإعاقة والتعتيم ، وتنطلق كالشهاب فيجيء شعره علي هذه الصورة।

(مصباح المهدي) إنسان فقير يسعى إلي قوت يومه بإعجاز يورث العجز لكنه لم يرضخ لما قسم له ، ثقف نفسه وخلق ضوءه الصغير السري بعيدا عن الآخرين وراح يحاول إتقان لعبته ، في النهار يسعى إلي المعايش الضئيلة القاسية ، وحين تفتح له أبواب الحياة الحقائق لا يتجاهلها।

أنا معجب بشعر يقوم علي لغتين ، أقصد لهجتين أو خلط قاموس بقاموس وإنما أعني لغة للأغنياء ولغة للفقراء يجسدها التزاحم والإبعاد والنفي وثقل الحذاء علي الرقبة ، ولغة فجة متعالية تكاد لا تري من تتوجه إليه।

(مصباح) شاعر شهم كما هو بطل في حياته بطل في شعره بطولة يعرفها فقراء مصر جميعا ، وجدت أخيرا من لا يخجله البوح بها।

عبد الرحمن الأبنودي أخبار الأدب 18/10/2009

جهنم

جهنم
جهنم بتفتح لك
انت الوحيد اللي داخل جهنم
قضاتك .. خصومك
خصومك مُصَدَّق كلامهم عليك
أكيد انت شكلك غلط .. والجنونْ
مخلّيك مِتَنْشِنْ
متى تشنّ حربك تقوم القيامه ؟!
عليك انت وحدك وحِمْلك تقيل
ملان بالكباير
ودايره عليك الدواير حساب
عليك انت وحدك تقوم القيامه
وتطلع في عِزّ النهار النجوم
تقلّب عليك التعب والهموم
لوحدك تقوم
من القبر حافي
وعريان ومُجْهَدْ
تفوت ع القهاوي اللي كانت بيوتك
تلاقي الصحاب كلهم أنكروك
تلاقي الشِّيَشْ حرّموها المشايخ
ودايخ على كرسي دخّان معسّل
تغسّل إديك من صحابك .. تفوت
على الأهل لا أهل لك لا بيوت
تفوت ع الإدين اللي كانت بتاخدك
غموس في الفطار
تفكَّرها إنك سَبَقْ كنت بار
تخليك تولّي
تقوم القيامه عليك انت وحدك
وتنزل جهنم
جهنم بتفتح لك
انت الوحيد اللي داخل جهنم
ولا الدنيا جَنَّه
ولا الجنَّه بعد الحساب لك جزاء
تعيش العذاب ابتداء
فقير انتَ .. صاحب مرض والدواء
ما هوش للغلابه
فقير .. والمحبّه الغُناي خصخصوها
وخلوها تعجن عجين للديابه
وفي الغابه تعشق غزاله الأسود
وترضى الأسود بالرمم في الخرابه
ولا الدنيا جنَّه ولا يحزنون
يعيش الفقير للأسى والجنون
يشيل اللي يبرك جمل لو يشيله
ويرقد ولا قلب زاير يجيله
ولا حتى ينهي الأسى عزرائيله
ينام الفقير .. لا العلاج ع الحكومه
ولا الذل تسقط معاه الخصومه
ولا الأرض تبلع جثث ميتين
يعيش المَدِين في المدينه المتاهه
تشظّي .. وبلاهه .. وإحساس حزين
ولا الدنيا جنَّه .. ولا الآخره جنَّه
ولا الفقر عارفينه كان ذنب مين
يعيش المَدِين مهما عاش من سنين
حطب نار جهنم !